المنطقة الشرقية في السعودية هي بوابة ساحرة تنقلك بين ضفاف الخليج العربي ورمال الصحراء الذهبية. تمتاز بتنوع ثقافي وجغرافي فريد يجعلها وجهة مثالية للسياحة على مدار العام. تضم الشرقية مدناً نابضة بالحياة مثل الدمام والخُبر، وأخرى عريقة غنيّة بالتاريخ كالأحساء والقطيف. عند زيارتك، ستجد في الشرقية مزيجاً آسراً من الشواطئ الخلّابة والمعالم التراثية العريقة، مع أنشطة تناسب العائلات والأفراد على حد سواء. هنا رحلة سردية شيّقة عبر أبرز محطات الشرقية، ستجعلك تتوق للاستكشاف بنفسك.
نبدأ بالدمام، ومن أبرز معالم الدمام قرية التراث وهي متحف ومطعم يعكس حياة السعوديين عبر التاريخ. ستأخذك مبانيه الطينية ومقتنياته الشعبية في رحلة عبر حضارات المملكة المختلفة، مع فرصة لتذوّق أكلات محلية في أجواء تقليدية. أما عشّاق التسوق فلديهم موعد مع سوق الحب التراثي الواقع في وسط البلد. يُعد سوق الحب من أقدم أسواق الدمام وأشهرها، ويمتاز بأزقته الضيقة المزدانة بالمحال الصغيرة المتراصة التي تبيع الذهب والعطور والأقمشة والهدايا التراثية.

على بُعد نصف ساعة بالسيارة من الدمام، تصل إلى مدينة الخُبر الأنيقة، حيث الحداثة تطل على مياه الخليج. تتميز الخبر بـ الواجهة البحرية الساحرة التي تضم ممشى واسعاً تصطف على جانبيه أشجار النخيل، وفي نهايته يقف برج المياه كمعلم أيقوني للمدينة.
صباحاً ستجد محبي الرياضة يمارسون الجري وركوب الدراجات على الكورنيش، ومساءً تنتشر العائلات مستمتعة بنسيم البحر مع إطلالة أضواء البحرين البعيدة. فالخبر قريبة من جسر الملك فهد الذي يصل السعودية بالبحرين، مما يغري البعض بزيارة سريعة لدولة أخرى خلال نصف ساعة فقط!

تقدم الخبر الكثير من الأنشطة الملائمة للجميع. يمكن للعائلة قضاء يوم ممتع في مركز سايتك العلمي على الكورنيش، وهو مركز تفاعلي يضم معارض علوم وتقنية ممتعة للكبار والصغار مع مسرح IMAX وعروض فلكية. ولمحبي التسوق والترفيه، تحتضن الخبر مجمعات تجارية راقية مثل الراشد مول، إلى جانب واجهة المطاعم والمقاهي في مجمع أجدان ووك، الذي بات أشبه ما يكون بـ”سيتي ووك” مصغرة على الخليج.

مع الأحساء ننتقل إلى واحة غنّاء تحتضن التاريخ والطبيعة معاً. الأحساء أرض النخيل وأكبر واحة نخيل على مستوى العالم بمساحة تفوق 85 كم² وتضم ما يزيد عن 2.5 مليون نخلة تمتد بساتينها إلى الأفق.

لا عجب أن سُجّلت الأحساء في عام 2018 ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي تقديراً لتاريخها العريق وتراثها الزراعي الفريد. عند زيارتك لهذه الواحة ستشعر كأنك دخلت لوحة طبيعية خضراء وسط الصحراء. يمكنك استنشاق عبير البساتين أثناء جولة بين مزارع النخيل، وربما تذوّق تمر الأحساء الشهير على أصله. تتميّز الأحساء بتنوع مذهل في المعالم. جبل القارة يقف شامخاً كأعجوبة جيولوجية فريدة؛ تكوّناته الصخرية المدهشة وكهوفه الباردة تجعل زيارته مغامرة لا تُنسى لمحبي الطبيعة والتسلق. عند دخولك إحدى مغاراته ستشعر ببرودة لطيفة وظلال ساحرة من أشعة الشمس الذهبية المتسللة.
من الواحة إلى الساحل الشمالي الشرقي، حيث تقع مدينة الجبيل الصناعية. قد تظن للوهلة الأولى أن الجبيل مدينة مصانع فقط، لكنها ستفاجئك بواجهتها البحرية الجميلة وتنظيمها البديع. تضم الجبيل مجموعة من الشواطئ والحدائق المشذبة بعناية، وتجربة الاسترخاء فيها لا تقل روعة عن أي مدينة ساحلية أخرى. توجه إلى شاطئ الفناتير الشهير الذي يتميّز برماله الناعمة وممره الأنيق المحاط بالمسطحات الخضراء والنخيل، حيث يمكنك القيام بنزهة أسرية أو ركوب الدراجات أو حتى الشواء في الأماكن المخصصة. بالقرب منه يمتد شاطئ النخيل الذي يوفر مساحات لعب للأطفال وأكشاكاً لبيع المرطبات، ويعد ملتقى مفضلاً لسكان الجبيل للترويح بعد يوم عمل. ما يميز الجبيل أيضاً هو مستوى النظافة والبنية التحتية الراقية بفضل إدارة الهيئة الملكية للمدينة. يمكنك أن تلمس هذا الاهتمام في حدائقها الغنّاء كحديقة البلدية أو حديقة كورنيش الجبيل، حيث تشاهد العائلات تستظل تحت الأشجار الوارفة. ولمحبي الأجواء البحرية النقية، يوجد مرسى القوارب الذي تنطلق منه رحلات صيد أو نزهات بحرية لمشاهدة أفق المدينة من عرض البحر. بعد نهار مليء بالأنشطة، جرّب أحد مطاعم الجبيل التي تشتهر بتقديم الأسماك والروبيان الطازج من حصيلة صيد اليوم. في الجبيل ستشعر بالتوازن الفريد بين روح المدينة الصناعية الحديثة وهدوء الطبيعة الساحلية.

لن تكتمل رحلتك إلى الشرقية دون الاستمتاع بمذاقات مطبخها الغني بالمكونات التقليدية. تشتهر المنطقة الشرقية بأطباق بحرية وفيرة تعكس وفرة صيد الخليج، مثل المجبوس بالسمك والروبيان الذي يقدَّم مع الأرز المتبّل بالتوابل الخليجية والليمون الأسود (اللومي). ستجد أيضاً أطباق الأرز باللحم والدجاج المشهورة في كل السعودية ولكن بلمسة شرقاوية خاصة؛ فمثلاً يُستخدم الرز الحساوي الأحمر ذو القيمة الغذائية العالية في الكبسات المحلية، وهو أرز يزرع حصرياً في واحة الأحساء ويُطبخ عادةً مع اللحم أو السمك لإعداد وجبة دسمة ولذيذة. ولا يفوتك تذوّق خبز التنور الحساوي الأحمر الذي يُخبز بالدبس والتوابل ويقدَّم ساخناً مع الجبن أو الحلوى. من الأطباق الشعبية المنتشرة طبق الجريش الكريمي المصنوع من القمح المجروش المطهو بمرق اللحم، وطبق الثريد الذي تغمر فيه قطع الخبز في مرق اللحم والخضار – وهما أطباق مفضلة في الشرقية خصوصاً في المناسبات. أما الحلى، فستأسرك حلاوة التمر التي تدخل في معظم الحلويات الشرقية، من المعمول المحشو بالتمر إلى حلوى التمر بالسمسم. في القطيف والمدن الساحلية، جرّب حلوى المُحَمَّر وهي أرز بني مطبوخ مع الدبس يُقدّم عادةً مع السمك المشوي، لتجمع في لقمة واحدة المذاق الحلو والمالح. ولا ننسى ذكر أن التمر الأحسائي يُعد مكوناً رئيسياً في مطبخ المنطقة، إذ تُستخدم أنواع التمور المختلفة لإعداد أطباق وحلويات تقليدية تمنح الطاقة وترضي الذائقة. باختصار، المطبخ الشرقي السعودي رحلة أخرى موازية لرحلة السياحة، تأخذك نكهاته وتوابله في جولة عبر ثقافة أهل الخليج وكرم ضيافتهم.
